مارتن نيويتر: الحملات على مونديال 2022.. كلام فارغ

صحيفة الراية
أكد السيد مارتن نيوريتر الخبير الدولي رئيس مجموعة عمل معيار المسؤولية الاجتماعية والاستدامة (أيزو 26000) بالمنظمة الدولية للمعايير "أيزو" ورئيس مجلس إدارة شركة "سي اس آر" انترناشيونال الاستشارية في المسؤولية والاستدامة أن قطر أحرزت تقدما كبيرا على مستوى العمل والعمال وفي مجال حقوق الإنسان والاقتصاد والتنمية ومختلف القطاعات والمؤسسات، مؤكدا قدرة قطر على النهوض بالتزاماتها.
واعتبر ما يثار فى الإعلام العالمي حول بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 مجرد هراء، ومواجهته تكون بحملات العلاقات العامة والإعلام .. مطالبا في الوقت ذاته بالتعاطي بشكل إيجابي مع الانتقادات الدولية واستيعابها وتوظيفها عمليا لصالح مشروع التطوير والتنمية.
وقال نيوريتر، في حوار مع الراية إن فوز قطر بتنظيم مونديال 2022 لكرة القدم وضعها فجأة تحت مجهر الإعلام العالمي وأمر طبيعي أن ينالها النقد، لكنها استمرت في طريقها وقامت بعمل الكثير من الخطوات وتحقيق الكثير من الإنجازات في هذا الجانب .. مؤكدا أن رؤية قطر 2030 تعد وثيقة ممتازة للنهوض بالاستحقاقات المطلوبة، باعتبارها تضم كل عناصر الاستدامة من رعاية البيئة والتطوير المجتمعي والاقتصادي والتنمية البشرية. وأكد أن قطر واحدة من أفضل الدول التي تطبق معيار المسؤولية الاجتماعية في مختلف القطاعات والمجالات بفضل رؤية قطر 2030 التي هيأت المناخ المناسب لذلك.
وعبر عن قناعته التامة بأن قطر مهيأة تماما لتوظيف معيار المسؤولية الاجتماعية والاستدامة لتحقيق رؤية 2030 المجمع عليها عالميا، وتطبيق معايير مقبولة دوليا، إضافة إلى تبني استراتيجية للتحضير الجيد لمونديال 2022 من خلال اللجنة العليا للمشاريع والإرث والاتحاد القطرى لكرة القدم وغيرهما من الجهات الأخرى. وقال إن الدول والحكومات الناجحة والمتميزة فى أدائها مع مواطنيها دائما مايطالها النقد، مطالبا بعلاج ذلك بحملات العلاقات العامة والإعلام والتعاطي مع الحقائق المجردة، موضحا أن قطر أفضل نموذج في تحويل تطويع البيئة كمورد مستدام في خدمة الفرد والمجتمع، إضافة إلى أن قطر اهتمت بوضع استراتيجية للاستدامة لكي تتعامل مع ما بعد انتهاء هذه الموارد الطبيعية وتعالج التعاطي مع دعم المجتمع والاقتصاد والتنمية إجمالا، لأنها تعلم أن هذا المورد الطبيعى من الغاز والنفط غير متجدد.
وحول ثورات الربيع العربي قال إن سببه هو غياب المسؤولية المجتمعية، معتبرا أنها لم تكن ثورات سياسية بقدر ما كانت ثورات اجتماعية، بسبب استشراء الفساد وتفشي الرشوة والمحسوبية والبطالة وغياب العدالة والشفافية والمساءلة ودولة القانون والحكم الرشيد. ورأى أن تجنب الثورات الاجتماعية في المستقبل يكون بالحكم الرشيد، وغيابه سيؤدي إلى الثورات القادمة، لذلك على الحكومات تطبيق مبادئ الحكم الرشيد والعادل لكسب رضا المواطنين.
وكانت هذه أبرز عناوين الحوار:
- قطر أحرزت تقدما كبيرا على مستوى العمل والعمال وحقوق الإنسان
- الدول والحكومات المتميزة في أدائها مع مواطنيها دائما مايطالها النقد
- قطر تمتلك الرؤية والإرادة والحضور الدولي لتحقيق مصالحها المشروعة
- رؤية قطر 2030 وثيقة ممتازة لتحقيق التنمية المستدامة
- قطر أفضل نموذج في تطويع البيئة لخدمة الفرد والمجتمع
- قطر من أفضل الدول التي تطبق معيار المسؤولية الاجتماعية
وإلى تفاصيل الحوار:
في البداية .. نود أن نتعرف على العلاقة بين التنمية المستدامة والمسؤولية المجتمعية بحسب المعيار الدولي أيزو 26000؟
الاستدامة هي رؤية وهدف نريد تحقيقه، لكننا بحاجة إلى أداة نستخدمها كل يوم لتصل بنا إلى هذه الرؤية وهذا الهدف، لذلك فإن المعيار (أيزو 26000) الذي يحمل عنوان المسؤولية المجتمعية هو الأداة اليومية (المطرقة والمفك) التي تستخدم يوميا للوصول إلى الهدف .. تبقى الاستدامة محض حلم ورؤية نظرية واعدة في قلب وفكر القادة والمسؤولين وآلية ترجمتها هي الأداة التي تم التوافق عليها عالميا وهي المعيار الدولي أيزو 26000 من خلال مواضيعه السبعة المتمثلة بالحوكمة وتطوير المجتمع والعاملين والمتعاملين والبيئة وحقوق الانسان وممارسات التشغيل العادلة.
انطلاقا من هذه الموضوعات الرئيسية السبعة التي ذكرتها وتناولها المعيار الدولي لتحقيق الاستدامة، ومنها على سبيل المثال حقوق العمال، كيف نربط بينها وبين تحقيق الاستدامة خاصة مع ما تتناوله بعض أجهزة الاعلام في الغرب عن مونديال قطر 2022 ؟
قطر فازت بتنظيم مونديال 2022 لكأس العالم في كرة القدم، ما وضعها فجأة تحت المجهر من قبل الإعلام العالمي وكافة المعنيين في العالم، ومن الطبيعي أن لا يكون الاستعداد بحجم هذا الانتباه العالمي في البداية، خاصة فيما يتعلق بظروف العمل والعمال أو حقوق الإنسان، ولكن على صعيد آخر تم عمل الكثير من الخطوات منذ ذلك الحين بل وحتى قبل ذلك، وكثير من الإنجازات تم تحقيقها فعليا، وما نتطلع إليه هو (مقاربة استراتيجية) تتفاعل مع ما يتوقعه العالم، ذلك أن قطر لو قررت أن تستضيف الألعاب الأولمبية يوما ما فإن المجهر والتركيز العالمي سوف يتضاعف عشرات المرات، وعليه لا بد من وضع الأعمدة في أماكنها الصحيحة، ما يمكن قطر من النهوض باستضافة مثل هذه الفعاليات الدولية ومقابلة تداعياتها التي ذكرتها.. وأبرز هذه الأعمدة هي رؤية قطر الوطنية 2030 والتي تعد وثيقة ممتازة للنهوض بهذه الاستحقاقات فيها كل عناصر الاستدامة من رعاية البيئة والتطوير المجتمعي والاقتصادي والتنمية البشرية، لكنها مرة أخرى رؤية نريد تحقيقها، وبطريقة ما نريد الوصول إليها، وقناعتي التامة هي أن قطر مهيأة تماما أن توظف وتستخدم الأدوات المعتمدة دوليا والتي شاركت في تطويرها واعتمادها، وهي أدوات مقبولة عالميا ومجمع عليها، تحقق هذه الرؤية من جهة، ومن جهة أخرى يرى جميع المعنيين أنها تطبق معايير مقبولة عالميا، بتبني استراتيجية من الجهات المعنية بالتحضير الجيد للمونديال من خلال اللجنة العليا للمشاريع والإرث والاتحاد القطري لكرة القدم وغيرها، وما يزال هناك سبع سنوات ولدينا عمل واعد يمكن أن ينجز خلال هذه الفترة .. علينا تغيير الثقافة المؤسسية لكي نتعاطى بشكل إيجابي يستوعب الانتقادات الدولية ويوظفها عمليا لصالح مشروع التطوير وعدم الاكتفاء بالتجاهل والتركيز على ما نحسنه ونتقنه فنحن في عصر العولمة ولا يمكننا عزل أنفسنا.
وإلى أي مدى يتم التعاطي إيجابيا مع بعض وسائل الإعلام التي تكيل التهم دون سند وتستهدف النيل من إنجازات قطر؟
"الزبون دائما على حق" .. هذا شعار الشركات الناجحة بل والحكومات المتميزة في أدائها مع مواطنيها وأصحاب المصلحة .. العالم حولنا هو دوما على حق، ليس دورنا أن نخطئ الآخرين حتى لو كانت حقيقة معلوماتهم مغلوطة ولا أساس لها من الصحة، هذا ليس دورنا، لدينا رأي عام نريد تغييره، وقطر قادرة على ذلك على مستويين: الأول مع العلاقات العامة والإعلان، والمستوى الثاني : وهو الأهم التعاطي مع الحقائق المجردة التي تحتويها هذه الانتقادات، بعضها هراء، ولكن بعضها الآخر حقائق محضة يجب علينا رصدها وأن نري العالم أننا لا نقول فقط أننا جيدون ولكننا نفعل ما هو جيد، بوضع الأمور في نصابها.. هذا هو التقدم المحرز على مستوى العمل والعمال وهذا في مجال حقوق الإنسان وعلى مستوى كافة القطاعات والمؤسسات في دولة قطر، لأننا ناهضون بتحقيق رؤيتنا الوطنية التي تضمن نهوضنا بالتزاماتنا الدولية، واننا مؤهلون لاستثمار أحدث الأدوات التي تضمن وفاءنا بهذا الاستحقاق يوما بيوم، وعلى جميع المستويات ومنها تشييد المنشآت وتحسين ظروف العمل والعمال وهكذا، خطوات ومؤشرات ومقاييس وضعت في موضعها تري الجميع أننا جادون في التقدم .. الهراء الذي يثار من الإعلام العالمي حول المونديال، نقابله بالإعلام والعلاقات، ولكن الحقائق والقصور نقابلها بالاستيعاب والتحسين المستمر والتعاطي الإيجابي .. لا بد من الرصد مثل التعاطي مع البضاعة التي تتهم بالعيب لن يفيدنا إنكاره بقدر ما يفيدنا إقراره أو استبداله في وقته، لا بد من الرصد، توظيف أدوات معتمدة عالميا سوف تعمل بمرونة تامة. ذلك ما يمكن أن يقدمه معيار الأيزو 26000 كأداة وإطار استراتيجي يمكننا من بلورة هذا الدور على نحو استراتيجي.
إلى أي مدى تلامس أو تقارب ممارسات التنمية في قطر المعيار الدولي لتحقيق الاستدامة؟
هناك الكثير من الاستراتيجيات والإنجازات والأنشطة والبرامج والمشاريع التي نراها في مسيرة التنمية التي تشهدها قطر لتحقيق رؤيتها الوطنية 2030، ولكن ما يظهر أحيانا هو تساؤل إيجابي في محله عند عدد من الشركات والجمعيات والقطاعات التنموية الأخرى وهو تساؤل طبيعي: ما هو المطلوب مني فعله حاليا لكي أصل إلى هدفي في 2030 ؟ .. الإجابة أحيانا قد لا تكون واضحة، ولكن يجب معرفتها وتحديدها والعمل من الآن عليها، لأن 2030 سوف يصل إلينا قريبا وبسرعة .. نحن حاليا نقارب 2016 .. إنها فقط 15 سنة، ليس من المقنع أن تصل الشركات إلى آخر سنتين وتراجع حساباتها، لا بد من التحفز واتخاذ الإجراءات الآن، وهذا يحتاج إلى خطة تنفيذية أو خارطة طريق توضح لكل دائرة من الدوائر أو الشركات أو المنظمات أو الجامعات أو الهيئات ما يجب عليها أن تفعله يوميا لتحقيق هذه الغاية، إنها كما عبرت عنه في البداية (المطرقة والمفك) الأدوات، لا نريد الاقتراب من ذلك التاريخ الحلم إلا ونحن مجتمع مستدام ودولة حققت الاستدامة، إن الهدف واعد جدا والرؤية طموحة للغاية ولكن مع الطموح لا بد من العمل الحثيث والمثابرة.
كمراقب وخبير دولي .. كيف ترى آفاق ما بعد 2030 ومستقبل القطاع الخاص في قطر؟
أعتقد أن قطر ماضية فعلا في تفادي إعادة اختراع العجلة، وأنها تدرك توفر أدوات ووسائل في العالم ومبادرات وبرامج تم اختبارها وحصاد نتائجها، وما أقترحه الآن هو الاستفادة من هذه الوسائل وتطويعها لمواكبة الثقافة المحلية والقيم الدينية والعادات والتقاليد بلغة العالم، لن يفيدنا إعادة اختراع العجلة، لأنني إذا طورت شيئا خاصا بي سينالني النقد الذي يزعم أنني لم أطور إلا ما يستر عيوبي ونقاط ضعفي، تاركا الأمور المكلفة جانبا، بخلاف استخدام ما هو معتمد دوليا ومتوافق عليه وتم اختباره ليعتمد على صعيد وطني ويوضع في إطار (قطري) إذن أنا في مأمن من ادعاء أنني تركت ما يصعب علي تبنيه وتحقيقه، أو أنني أفعل السهل فقط، إننا نعيش في عصر العولمة ويجب أن نجيب باللغة العالمية والفهم الدولي الذي شاركنا في صياغته، الاستدامة ليست مفهوما حديثا، منذ قرون ظهر هذا المفهوم ليس علينا البدء بالتفكير اليوم بتعريف الاستدامة فقد استغرق العالم الحديث ما يربو على 300 سنة تقريبا في ذلك ووصل إلى أكثر تعريف متوافق عليه دوليا تم اعتماده وهو أوسع وثيقة مقبولة دوليا.
بما أنها الوثيقة الأوسع قبولا على المستوى العالمي، كيف تعاطت معها التجارب الدولية شرقا وغربا؟
تم الإعلان عن المعيار في نوفمبر 2010 وهو عمر قصير نسبيا، ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي ألزم بموجب قانون اتحادي جميع الشركات الأهمية القومية ذاتها أن تقدم تقارير سنوية للاستدامة تعرف بالتقارير غير المالية والأداة التي أوصى بها لتقديم هذه التقارير هي " أيزو 26000" ، الهند وعلى سبيل المثال والتي لطالما اعترضت على أن يكون هذا المعيار ملزما، شرعت قوانين لضمان المسؤولية المجتمعية بل ووصلت إلى قناعة بضرورة الاستفادة من المعيار "أيزو 26000" بعد أن استغرقت وقتا طويلا في تطوير معايير محلية لم تحظ بالقبول العالمي، ونحن نرى اليوم عددا كبيرا من الأسواق العالمية تشترط تطبيق المعيار لإدراج الشركات ضمن قوائمها، ما يحدث في العالم اليوم هو الانتقال من التطبيق الطوعي إلى التطبيق الإلزامي.
وكيف ترى الممارسة الإقليمية والخليجية تحديدا في هذا السياق لتطبيق المسؤولية المجتمعية؟
ما يحدث في هذه المنطقة لم يختلف عن بداية التعاطي العالمي، لا تزال كثير من الممارسات محدودة بمبادرات تطوير المجتمع والمساهمات الخيرية والرعايات، ومساندة المستشفيات والمدارس بالصيانة والتبرع بالدم، كل ذلك عمل طيب ومشاركة مشكورة يجب الثناء عليها، لكنها لا تعكس المسؤولية المجتمعية بمفهومها الاستراتيجي، إنها محض عمل اجتماعي وخيري ليس إلا، أما المسؤولية المجتمعية فهي كيف أدير أعمالي بشكل استراتيجي، وكيف أتعامل مع الموظفين والعاملين والمتعاملين وكافة المعنيين، كيف أستمع وأشارك وأتعاطى مع الرأي العام والموردين والمواضيع البيئية، وكيف أضع جميع هذه المعطيات في سياق استراتيجي يخدم المؤسسة نفسها في مجال أعمالها.. هذا هو الدور الحقيقي للمسؤولية المجتمعية.
وكيف يمكن أن تمثل البيئة موردا مستداما لخدمة الفرد والمجتمع؟
قطر أفضل نموذج لذلك، لأنها تستخدم الموارد الطبيعية المتمثلة في الغاز الطبيعي الذي يجسد رأس المال البيئي الذي يغذي الدخل القومي ويحقق عوائد هي هبة من الله دون تدخل البشر، ولكون هذا المورد غير متجدد اهتمت قطر بوضع استراتيجية للاستدامة لكي تتعامل مع انتهاء هذه الموارد الطبيعية وتعالج التعاطي مع دعم المجتمع والاقتصاد والتنمية إجمالا، لا بد من التأكد أن المجتمع ككل قادر على الاستمرارية والعيش على نفس المستوى مع نضب هذه الموارد وهو ما تعالجه استراتيجية الاستدامة، عليه فإن العناية بالبيئة تتيح للمجتمع الاستمرار على نفس مستواه المعيشي، ماذا يحدث لو تلوث الهواء؟ سوف نفقد الحياة، الماء كذلك هو الحياة، الطعام الصحي كذلك هو الحياة، لقد أثبتت الأبحاث أن انقراض (النحل) يهدد حياة البشرية بتهديده للإنتاج الزراعي حول العالم المعتمد على دورة التلقيح الذي يقوم به هذا الكائن الصغير، الذي يؤثر في الحياة بأكملها، ولذلك ينظر إليه أنه رصيد للعالم ككل.
شارك في تطوير هذا المعيار 400 خبير و200 مراقب من 99 دولة و43 منظمة عالمية غالبيتهم من الدول النامية واستوعب المعيار الثقافات المحلية .. فهل يمكن أن نري العالم نموذجا واعدا لتطبيق هذا المعيار؟
نعم يمكن هذا، وقطر من الدول التي تمتلك القدرة التامة على تحقيق ذلك، ولكن هذه المقدرة غير مستغلة على مستوى الشركات بسبب غياب فهم هذه الأداة حديثة العمر نسبيا، لا بد أن تستخدم المسؤولية المجتمعية لتحقيق الأهداف الاقتصادية للشركات من خلال توظيف المبادرات المجتمعية والبيئية التي تحقق هذه المصلحة المشروعة، قطر تمتلك كل القدرة لأنها تمتلك الرؤية والموارد والحضور الدولي والإرادة، ما نحتاجه مزيد من فهم اللاعبين عما نتحدث عنه و [ تمثل ناقلا لهذا المفهوم الصحيح باعتبارها وسيلة إعلام لها مصداقيتها ومهنيتها، ليست المسؤولية المجتمعية رعايات مشكورة أو أعمالا خيرية مأجورة، لكنها العمل اليومي الذي يحقق الاستدامة ويحتاج إعلاما تنمويا مسؤولا عن تحقيقها.
نشاهد ربيعا عربيا يصفه البعض بالخريف، هناك ثورات حصلت في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن .. كيف يمكن تجنب الغضب الشعبي في أي دولة ما ؟ وما مدى ارتباط ذلك بالفساد الذي يمكن أن يفجر ثورة،لا سيما فى ظل غياب الحكم الرشيد ووجود رؤية شاملة لفساد يهدر مقدرات الدول؟
كنت في مصر عند اندلاع الثورة وكلمة السر وراءها هي "غياب المسؤولية المجتمعية" ، ذلك أن الربيع العربي بشكل عام لم يكن عبارة عن ثورات سياسية بقدر ما كانت ثورات اجتماعية، لأن المواطنين من الشباب المتعلم لم يجد الفرصة للحصول على العمل المناسب وبالتالي لا فرصة لبناء أسرة وشراء مسكن وغير ذلك .. البوعزيزي الذي أحرق نفسه في تونس لم تكن لديه خلفية سياسية وإنما خلفية اقتصادية واجتماعية سيئة بسبب الحكم غير الرشيد أو الفاسد، مجموعات صغيرة فاحشة الغنى ومجموعات كبرى من الشباب المتعلم الذي لا يملك أية فرص للعيش الكريم، في مرحلة ما تنفجر الحالة وهذا ما حصل مع الثورات العربية.. لتجنب هذه الحالة لا بد من حكومة عادلة بحكم رشيد كما يتضمنه معيار الأيزو 26000 وكذلك فإن ممارسات التشغيل العادلة هي ما يكافح الفساد، وأود هنا إضافة جملة أخرى قبل ذلك، هذا المعيار قابل للتطبيق على مختلف القطاعات وليس فقط للشركات ومنها القطاع الحكومي من وزارات وكذلك الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وأعود للقول بأن هذه الثورات لن تقف عند تلك الدول بل ستظهر حيثما يوجد الفساد والرشوة وغياب ممارسات التشغيل العادلة وغياب الشفافية والمساءلة وإشراك أصحاب المصلحة واحترام القانون التي هي من مبادئ الحكم الراشد، ولتلافي حصول ذلك في المستقبل فإن المفتاح هو "الحكم الرشيد" وغيابه سيؤدي إلى الثورات القادمة، الحكومات عليها تطبيق مبادئ الحكم الرشيد والعادل لكسب رضا المواطنين، سواء كان ذلك من خلال نظام ديمقراطي أو غير ديمقراطي ليس ذلك محل البحث، وإنما محل البحث هو كيف تدير الحكومة البلاد، بنفس مفهوم إدارة المنظمات وعملياتها اليومية، إنها نفس الفلسفة.
وكيف ترى مستقبل دولة قطر؟
مستقبل الدول يحدده اللاعبون الثلاثة مجتمعون، الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، هذه القطاعات مجتمعة تحدد مستقبل البلاد، المواضيع التي تم ذكرها ليست فقط لقطاع دون آخر بل هي تهم الجميع وفقط حين يتعاون الجميع لتحقيق الرؤى الوطنية فإنها سوف تتحقق، لو انعزل أي قطاع عن دوره لأنه يكلفه جهدا ومالا فلن يتحقق الحلم، الحكومة قد تمضي قدما وبشكل ايجابي ولكن ما لم تكن بقية القطاعات على نفس مستوى الالتزام فلن تحقق الحكومة غايتها، والعكس صحيح، فقط حين يتعاون الجميع في تجديف القارب نفسه سوف يتحقق الهدف، وهذا يتطلب ثقة كل قطاع في القطاع الآخر وفي أن العملية سوف تنجز لا محالة، وإلا انقلب الوضع إلى لوم متبادل بين القطاع الخاص والحكومة وهكذا، وما يبني الثقة هو القرارات على الأرض والممارسات، يمكننا قول الكثير ويمكنك النظر إلى عيني وتصديقي، ولكن أفعالي هي محك الحقيقة وبناء الثقة، لن ينفع المؤسسات أنشطة التبرع بالدم وتنظيف السواحل في الوقت الذي تضر بحقوق عمالتها هذا ما علينا ضمانه والوصول إليه.
وهل من كلمة أخيرة؟
كلمتي الأخيرة هي أن المسؤولية المجتمعية لها أثر كبير جدا، إنها استثمار وليست تكلفة، ليست شيكا يصرف في نهاية العام، ولكنها تطوير لأعمال تجعلها مستديمة، هذا المعنى لم يصل بعد إلى أفهام عدد من اللاعبين في ميدان التنمية.