ألعاب البدو الرحل .. بين شغف الرياضة وإحياء التراث

قنا
لم تعد الألعاب العالمية للبدو الرحل في نسختها الثالثة مجرد تنافس رياضي أو منصة لتبادل الثقافات فقط، كما أنها ليست ألعابا ومسابقات تشكل إحياء لتراث الشعوب الرحل على مستوى العالم، بل هي في الواقع مزيج ناجح لكل هذه الأمور استمر لمدة ستة أيام على شاطئ بحيرة إسك كول شمال شرقي قيرغيزيا.
وتشكل الجبال في قيرغيريا نحو 94 بالمئة من مساحتها، وتحوي أراضيها قرابة الألفين من البحيرات أشهرها إسك كول ثاني أكبر بحيرة جبلية في العالم، ارتبط اسمها بفكرة إقامة هذه الألعاب التي لاقت تأييدا كبيرا ومشاركة من مختلف دول العالم خاصة في نسختها الثالثة الذي أختتمت مساء أمس /السبت/.
والنجاح الذي حققته الألعاب العالمية للبدو الرحل في نسخها الثلاث الماضية منذ انطلاقها عام 2014 وحتى الآن والتي استضافتها جمهورية قيرغيزيا، جعلها تأخذ تطورا مختلفا من حيث النطاق الجغرافي بعدما أقدمت تركيا على استضافة النسخة الرابعة عام 2020، وتسلمت في حفل الختام رسميا علم الألعاب بجانب السفينة "كوكور" المليئة بالمياه الجليدية، عوضا عن الشعلة كما في الألعاب الأولمبياد.
والنسخة الثالثة من الألعاب شهدت تنافسا رياضيا غير مسبوق وشغف كبير حيث تنافس المشاركون الذين قدروا بحوالي ألفي رجل وفتاة يمثلون قرابة السبعين دولة، في منافسات في 23 نوعا من الرياضات المتنوعة، منها المصارعة، والرماية، ورياضات ركوب الخيل، كما تنافست فرق عالمية في لعبة "الكوك بورو" وهي من أشهر الألعاب في قيرغيزيا وتعد الرياضة الوطنية للبلاد.
وينتقد الكثيرون لعبة "الكوك بورو" المنتشرة في دول آسيا الوسطي وخاصة قيرغيزيا، والتي تعتمد على القوة البدنية، حيث يتنافس فيها فريقان مكونان من ثلاثة إلى خمسة أشخاص يمتطون الخيل ويلتقطون جثة الشاة أو الجدي من الأرض لإيصالها إلى مرمى الفريق المنافس، لكن اللاعب تمير مولدوكوف أحد أعضاء منتخب قيرغيزيا رفض هذا الأمر تماما.
ورأى مولدوكوف ، في تصريح بعد مباراة بلاده مع الفريق الأمريكي، أن البعض يري أن هذه لعبة "الكوك بورو" قاسية جدا، لكنها في النهاية الرياضة الوطنية للشعب القيرغيزي وهي جزء منه، معتبرا أن هذه الألعاب تمثل أجداده وتراثهم الممتد لالاف السنين.
بدوره، أوضح روك هاريس أحد أعضاء الفريق الأمريكي أن لعبة "الكوك بورو" أحد أهم الرياضات الموجودة في الألعاب العالمية للبدو الرحل، مبديا سعادته بالتواجد في هذه الألعاب والمشاركة في هذه الرياضة الوطنية للقرغيزين.
وتفوقت قيرغيزيا رياضيا في الألعاب العالمية للبدو الرحل بعدما احتلت المركز الأول برصيد 100 ميدالية متنوعة بواقع 40 ذهبية و30 فضية و30 برونزية، فيما جاءت كازاخستان في المركز الثاني برصيد 69 ميدالية متنوعة بواقع 16 ذهبية و24 فضية و29 برونزية، بينما حلت روسيا في المركز الثالث برصيد 52 ميدالية متنوعة بواقع 16 ذهبية و11 فضية و25 برونزية.
ولم تكن المنافسات الرياضية وحدها الحاضرة في دولة الألعاب العالمية للبدو الرحل، حيث كانت الفعاليات الثقافية والتراثية حاضرة بقوة في الألعاب، وذلك من خلال المهرجان الثقافي الدولي "عالم الرحل" الذي أقيم على مسرح "نوماد" بوادي كيرشين الذي يقع بين ثلاث بحيرات جبلية.
وشكل المهرجان فرصة كبيرة بالنسبة للوفود المشاركة في الألعاب العالمية للبدو الرحل من أجل تبادل الثقافات وتعلم التراث والحفاظ عليه وكيفية التعريف به، فضلا عن أنه كان ملتقى للحوار بين مختلف الثقافات والأديان، وفرصة لحوار الحضارات والعمل المشترك والتعاون من أجل تحقيق السلام والصداقة والوئام بين الشعوب، بالإضافة إلى إحياء التراث الثقافي وإغناء التنوع في ثقافات الشعوب والمجموعات العرقية المنتشرة في أنحاء العالم كافة.
وشهدت الألعاب العالمية الكثير من المهرجانات الثقافية والتراثية، أبرزها مهرجان الفولكلور العالمي للشعوب الرحل في وادي كيرشين، الذي اشتهر بتقديم العروض الموسيقى التقليدية لمختلف البلدان المشاركة، فضلا عن عروض الخيل الرائعة التي تعبر عن أسلوب الحياة البدوية.
كما شهدت المسابقات التراثية التي تعكس تاريخ الأجداد القدامى، وقي مقدمتها عرض الصيادين مع الصقور، والرماة مع الأقواس ، كما كانت هناك أيضا مسابقات لأفضل طبق وأفضل " خيمة بدوية" بمشاركة مناطق مختلفة من قرغيزيا.
من جانبه، أكد محمد كالي أبيلغازيف رئيس وزراء قيرغيزيا أن دورة الألعاب العالمية للبدو الرحل أصبحت حلقة وصل بين الشعوب من مختلف الأعراق والطوائف الدينية بغض النظر عن العرق والانتماء والخلفية الاجتماعية، مشيرا إلى ان التزام الشعوب بالقيم الإنسانية المشتركة والإنسانية والحرية والتنمية الروحية تصبح معروفة في مثل هذه الأحداث الدولية.
وقال أبيلغازيف ، في تصريح صحفي ، إن الألعاب العالمية للبدو الرحل باتت قوة دفع أيديولوجية قوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والروحية لقرغيزستان ، فضلا عن وحدة المجتمع القيرغيزي الذي مر بالكثير من التحديات على طريقه التاريخي نحو التنمية.
وتمنى النجاح للنسخة القادمة من الألعاب المقررة في تركيا خاصة أنه بلد لديه ثقافة غنية وخلفية تاريخية وتراثية مليئة بالأحداث على مدى قرون. بدوره، رأي حمزة يرقيكايا نائب وزير الثقافة والرياضة في تركيا أن الألعاب العالمية للشعوب الرحل ليست فقط عبارة عن رياضات ولكنها أيضا فرصة للاحتفاء بالتراث والتقاليد، متطلعا ان تقدم بلاده نسخة مميزة من هذه الألعاب على كافة المستويات.
أما ألتينبيك ماكسوتوف المدير المشرف على تنظيم الألعاب فقد اعتبر أن ألعاب الشعوب الرحل، مشروع طموح بالنسبة لقيرغيزيا، مشيرا إلى أنه حقق الكثير من الإيجابيات خاصة فيما يتعلق بالنمو سواء كان ايديلوجيا أو اقتصاديا أو سياحيا.
وشدد ماكسوتوف على أن الألعاب ليست محفلا رياضيا فحسب بل هي نقطة التقاء للثقافة والرياضة وأن الرياضيين من مختلف دول العالم تواجدوا في الألعاب على أمل نقل ميراث الأجداد من الألعاب التقليدية إلى الأجيال القادمة.
وبدأت فكرة إقامة الالعاب العالمية للبدو الرحل لتكون مماثلة للألعاب الأولمبية والشتوية والآسيوية، بمبادرة من الرئيس القرغيزي السابق السيد ألمازبيك أتامبايف عام 2012، وذلك من أجل إحياء والحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي لحضارة البدو لشعوب العالم.
وتم تأييد هذه المبادرة من قبل دول كثيرة، وهو الأمر الذي أسفر عن إقامة أول دورة للألعاب العالمية للبدو في سبتمبر عام 2014م، وذلك على شاطئ بحيرة إسك كول بمشاركة 583 رياضيا من 19 بلد العالم.
وشهدت الألعاب في نسختها الأولى مشاركة كبيرة وغير متوقعة في ظل حداثة الألعاب ونجاحا لا ينسى، ولذلك أيد المجتمع الدولي عقد هذه الألعاب مرة أخرى، وهو ما تحقق بالفعل بتنظيم النسخة الثانية من الألعاب بعد عامين، وبالتحديد في أغسطس عام 2016م، حيث شارك 1200 رياضي ورياضية يمثلون 37 بلدا من مختلف قارات العالم.